Temple

أسئلة عن الحياة الأبدية

ماذا يقول الكتاب المقدس عن خلود النفس؟

 
ماذا يقول الكتاب المقدس عن خلود النفس؟حين يدنو الإنسان من نهايته وتُنتزع منه "نسمة الحياة"، ويكف قلبه عن الخفقان، ويتوقف دمه عن الجريان، وينقطع ذهنه عن العمل فتذهب قدرته على التفكير، ولا يعد يعرف شيئًا من العلم والعرفان، ثم بعد ذلك تتحول عناصر جسمه إلى تراب. فماذا أصاب ضميره ووجدانه؟ لقد مضيا وانتهيا بحسب تعليم الكتاب المقدس. وبالإجمال، فإنّ كل عوامل الشعور والإدراك تبطل في الحال، ويأخذ الجسم في الانهيار والانحلال، وعندئذ يرجع التراب إلى الأرض، كما كان، وترجع الروح إلى خالقها. فهل يجب أن نخشى الموت إذن؟

لا يمكننا الاعتماد على الحكمة البشرية في اكتشاف ما يحدث للشخص عند موته، وإنما يتحتم علينا النظر إلى كلمة الله الموحى بها. عندما أقيم لعازر من الموت لم يقل شيئاً عن أي وعي كان له وهو ميت. فكان الموت بمثابة النوم [الرقاد] كما أعلن ذلك يسوع [يهوشوه] نفسه: "ثُمّ قالَ لهُم: "حَبـيبُنا لِعازرُ نائِمٌ، وأنا ذاهِبٌ لأوقِظَهُ". فقالَ لَه التلاميذ: "إذا كانَ نائمًا يا سيّدُ، فسَيُشفَى". وكانَ يَسوعُ يَعني نَومةَ الموتِ، فَظنّوا أنّهُ يَعني راحَةَ النّومِ. فقالَ لهُم يَسوعُ بكُلّ صَراحةٍ: "لعازرُ ماتَ." (يوحنا ١١: ١١-١٤). هذه الحقيقة إنما تثبت صحة القول الوارد في الكتاب المقدس "أَمَّا الْمَوْتَى فَلاَ يَعْلَمُونَ شَيْئًا" (الجامعة ٩: ٥).

يؤمن معظم العالم المسيحي اليوم أن للإنسان نفساً خالدة وأن نفسه ستنتقل إلى السماء عندما يموت. لقد تقلَّدنا هذا الاعتقاد من الوثنية، ومثله مثل سائر الاعتقادات الوثنية، لا أساس له من الصحة. فاللاهوتيون يقبلون فلسفة ديانة وثنية تقلدناها من التقليد، بدلاً من قبول حقائق الكتاب المقدس.

وفي حين يبدو الإيمان بخلود النفس مجرد فلسفة بريئة، نجده يضع حجر الأساس لديانة زائفة كاملة- أي مناجاة الأرواح. إنه يفتح خط اتصال مباشر يمكن للشيطان مع حلفائه -الملائكة الأشرار- توصيل ضلالات مدمرة عبره للسذُّج من الأحياء، الذين يعتقدون بأن تلك المعلومات تأتيهم من عند الله وأنها مقدسة، مع أن الله لا يستخدم أبداً قنوات القوى الغيبية في الاتصال بالإنسان.

تهذّبت مناجاة الأرواح كثيراً في يومنا هذا، حتى دخلت بعض أوساط المجتمع العليا، بل حتى بعض الكنائس المسيحية، غير أنها لا تزال في جوهرها ضرباً من العرافة القديمة التي يكرهها الله، والتي جلبت حكم الإعدام على ممارسيها في إسرائيل قديماً.

يبين الكتاب المقدس أنه لدى وفاة الإنسان تتوقف نفسه عن الوجود وأن ما يظهر في جلسات تحضير الأرواح ليس أرواح الموتى، وإنما هو في الحقيقة تقمص الملائكة الأشرار للأقارب أو الأحباء المتوفين.

منشأ الاعتقاد بخلود النفس

يمكن بسهولة تتبع الاعتقاد بخلود النفوس حتى منشأه، وكذلك اكتشاف منشئ هذه الضلالة. يخبرنا الكتاب المقدس بوضوح من هو أبو ضلالة خلود النفس. فنقرأ كلمات يسوع [يهوشوه] التي قالها لزعماء اليهود: "أَنْتُمْ مِنْ أَبٍ هُوَ إِبْلِيسُ ... لأَنَّهُ كَذَّابٌ وَأَبُو الْكَذَّابِ" (يوحنا ٨: ٤٤). نطق الشيطان بأول كذبة قيلت في العالم، وكانت تلك الكذبة عن خلود النفس. فماذا كانت الكذبة التي قالها الشيطان؟ نقرأ "فَقَالَتِ الْحَيَّةُ لِلْمَرْأَةِ: لَنْ تَمُوتَا!" (تكوين ٣: ٤). لم تكن هذه كذبة بريئة، كما لم تكن هذه آخر مرة قيلت فيها. لقد روَّج الشيطان لهذه الخديعة ونشرها من خلال وكلائه حتى صارت إحدى عقائد الكنائس المسيحية الرئيسية اليوم.

قال الشيطان من خلال الحية وسيطته: "لَنْ تَمُوتَا!". لكن الله قال على لسان نبيه حزقيال: "اَلنَّفْسُ الَّتِي تُخْطِئُ هِيَ تَمُوتُ" (حزقيال ١٨: ٢٠). لقد أخطأ أهل العالم جميعاً ولذا فهم خاضعون للموت. ولكن بدلاً من المناداة بما قاله الله، تذيع كنائس مسيحية كثيرة اليوم عقيدة الشيطان القائلة بخلود النفس. قد يبدو خداع الشيطان معزياً جداً للنائحين في الجنازات، ولكنه ضلالة ذات دلالات خطيرة تتناسب مع خطة الشيطان لدمار النفوس.

يعود الاعتقاد بخلود النفس إلى قدماء الوثنيين، ثم تبنته ديانة اليونان الوثنية. وكان هذا الاعتقاد والاعتقاد بألوهية الشمس الأساسين اللذين قامت عليهما ديانة اليونان. ولكن كلا الاعتقادين خاليان من المصداقية على السواء.

لما فتح الرومان بلاد اليونان، صار الاعتقاد بخلود النفس وعبادة الشمس والعبادة يوم الأحد -يوم الشمس- جزءاً من ديانة روما الوثنية.

وحينما سلّمت روما الوثنية كرسي سيادتها -أي مدينة روما- وسلطتها المدنية لأسقف روما، صار الاعتقاد بخلود النفس وقدسية يوم الأحد من العقائد الأساسية للكنيسة الكاثوليكية، التي ازدهرت في العصور المظلمة بناءً على الزعم بعصمة البابا من الخطإ.

ثم أتى الإصلاح وتم تصحيح الكثير من ضلالات وممارسات الكنيسة الكاثوليكية على يد المصلحين، لكن العقيدتين الرئيسيتين -أي خلود النفس وقدسية الأحد- لم يتم تصحيحهما. وهاتان الضلالتان ينادى بهما جنباً إلى جنب من فوق منابر جميع الكنائس المسيحية تقريباً.

لقد روَّج أبو كل كذب للايمان بخلود النفس بكل حرص بدءاً من الميثولوجيا الإغريقية القديمة ومروراً بديانات متعاقبة، حتى ترسَّخ اليوم في كل العالم المسيحي تقريباً.

لماذا تهوَّر العالم المسيحي وقبل الإيمان بخلود النفس بينما نرى نحن أنه تركة أورثنا إياها التقليد من الديانة الوثنية القديمة؟ هذا المعتقد خاطئ بدرجة فادحة -بحسب الكتاب المقدس- ولا أساس له من الصحة.

لو قبل العلماء الفلكيون المحدثون نظريات الوثنيين القدامى، لكانوا قد صدقوا -كما ساد الاعتقاد قديماً- أن الأرض منبسطة وأن الأجرام السماوية -أي الشمس والقمر- تدور حول الأرض، عِوَض أن تكون الأرض كروية وتدور على محورها حول الشمس.

لقد دحض علم الفلك الحديث تماماً نظريات قدماء الوثنيين الفلكية. وإن دراسة الكتاب المقدس -مثل التي نجريها في هذا الموضوع- تدحض هي أيضًا الإيمان بخلود النفس الذي قال به قدماء الوثنيين.

الجسد + نسمة الحياة = النفس

في سادس يوم من أسبوع الخلق جبل الله الإنسان من تراب الأرض. خلق المخ والقلب والعضلات وسائر الأعضاء وأكمل البنية التشريحية كلها. لكن لم يكن فيها حياة. ثم نفخ نسمة الحياة في هذه البنية التشريحية، فدبت الحياة في هذه الجبلة. بدأ عقله يعمل ويمارس كل نشاطات العقل المعروفة من تفكير ومحبة وفرحة وحكمة وتحكم في العضلات وباقي الأعضاء. فلم يوجد أي تذكر لأي شيء قبل حصوله على نسمة الحياة هذه. بدأ العقل والقلب وسائر الأعضاء في أداء مهامها وتلك المهام أو الأنشطة هي التي شكَّلت نفسه. لم يخلق الله النفس منفصلةً، وإنما كانت النفس نتيجة لخلق الجسد ومن نفخ نسمة الحياة فيه.

هذه هي المعادلة الحسابية للخلق: جسد + نسمة حياة = نفسا حية

فإذا مثَّلنا الجسد بلمبة كهربائية ونسمة الحياة بالكهرباء والضوء بالنفس، تكون لدينا معادلة مماثلة لتكوين الضوء:

لمبة كهربائية + كهرباء = ضوءاً

لا تصدر اللمبة ضوءاً من نفسها، كما لا تصدر الكهرباء ضوءاً من نفسها أيضًا، ولكن الجمع بين الاثنين هو الذي ينتج الضوء. بالمثل لا ينتج الجسد أو البنية التشريحية نفساً من ذاتها، كما لا يمكن أن تنتج نسمة الحياة نفساً دون الجسد، ولكن اندماج الاثنين معاً ينتج نفساً حية عاقلة.

وفي الموت تحدث عملية معاكسة ويمكن تمثيلها بالمعادلة التالية: جسد - نسمة حياة = غياب النفس بعبارة أخرى، تتوقف النفس عن الوجود.

بدون هذين العنصرين لا توجد نفس؛ كما نقرأ: "تَخْرُجُ رُوحُهُ فَيَعُودُ إِلَى تُرَابِه. فِي ذلِكَ الْيَوْمِ نَفْسِهِ تَهْلِكُ أَفْكَارُهُ" (مزمور ١٤٦: ٤)، وكذلك: "أَمَّا الْمَوْتَى فَلاَ يَعْلَمُونَ شَيْئًا ... وَمَحَبَّتُهُمْ وَبُغْضَتُهُمْ وَحَسَدُهُمْ هَلَكَتْ مُنْذُ زَمَانٍ" (الجامعة ٩: ٥-٦). الأفكار والمحبة والبغضة والحسد كلها من أنشطة النفس، وحينما تهلك هذه تتوقف النفس عن الوجود.

أما انعدام الضوء فيتم التعبير عنه بالمعادلة التالية: لمبة كهربائية - كهرباء = غياب الضوء

بدون أيٍّ من اللمبة الكهربائية أو الكهرباء لا يمكن لأحد طرفي المعادلة أن ينتج ضوءاً.

فقد أشخاص وعيهم تماماً لعدد من الأسابيع إثر إصابتهم بتلف شديد في الدماغ، ويخبرنا بعضهم بعد استعادة وعيهم أنه لم يوجد تفكير أو محبة أو بغضة أو حكمة أثناء تلك الفترة. هذه حقيقة أكيدة وثابتة، ومع ذلك، يخبرنا أفراد كثيرون، بأنه عند استعادة وعيهم أحسوا وكأنهم يسبحون في الهواء وشاهدوا جسدهم راقداً حيث كان ورأوا ضوءاً باهراً عند نهاية نفق. ولم يروا إلا ما هو جميل وقالوا إنهم لم يكونوا خائفين من الموت. وحلم البعض أن صديقاً أو حبيباً متوفى جاءهم وتحدث معهم. لكن أيوب يقول: "إِذَا مَضَتْ سِنُونَ قَلِيلَةٌ أَسْلُكُ فِي طَرِيق لاَ أَعُودُ مِنْهَا" (أيوب ١٦: ٢٢).

إن اختبارات الإشراف على الموت هذه ليست بأي حال من الأحوال اخبارات تسبق هروب النفس إلى السماء، التي لا تحدث على الإطلاق، وإنما هي نتيجة انطباعات يضعها الملائكة الأشرار في أذهان أولئك الأفراد. إن الشيطان وملائكته الأشرار يعدّون أذهانهم بتلك الطريقة لقبول الفكرة الروحانية القائلة بوجود حياة ووعي بعد الموت.

لكن عندما يموت أخيرًا الشخص الفاقد لوعيه لعدة أسابيع، لا توجد عودة لنشاطات الذهن أو النفس المفكرة، ويستمر هذا الوضع في الموت حتى يقيم الله المحيي ذلك الفرد في القيامة. حينئذٍ تعود إليه نشاطات النفس مرة أخرى.

في معرض الحديث عن الموت يقول الوحي: "فَيَرْجعُ التُّرَابُ إِلَى الأَرْضِ كَمَا كَانَ، وَتَرْجعُ الرُّوحُ إِلَى الله الَّذِي أَعْطَاهَا" (الجامعة ١٢: ٧). كلمة روح هنا تعني نسمة الحياة. فحيث أن النفس تنتج من اندماج البنية التشريحية مع نسمة الحياة، إذاً فحينما ترجع البنية التشريحية إلى التراب، وتعود نسمة الحياة إلى الله، تتوقف النفس بوعيها عن الوجود.

إن نسمة الحياة هي التي تحول الجماد إلى كائن حي، وهي التي تجعل البنية عديمة الحياة كائناً حياً قابلاً للنمو.

إذا رجعنا إلى اللغة العبرانية وجدنا أن كلمة روح ونسمة حياة هما نفس الكلمة. ومعلوم أن أيوب يستعمل كلمة نسمة حياة وروح بالتبادل :

"إِنَّهُ مَا دَامَتْ نَسَمَتِي فِيَّ، وَنَفْخَةُ [نسمة] الله فِي أَنْفِي" (أيوب ٢٧: ٣).

ثم يأتي المرنم ليلقي ضوءاً إضافياً على هذا الموضوع: "تَخْرُجُ رُوحُهُ فَيَعُودُ إِلَى تُرَابِهِ. فِي ذلِكَ الْيَوْمِ نَفْسِهِ تَهْلِكُ أَفْكَارُهُ" (مزمور ١٤٦: ٤). إذا خرجت نسمة الحياة من شخص، لا يكون لديه أفكار أو نشاطات عقلية، وبالتالي لا يكون له نفس؛ هذا لأن الأفكار أو النشاطات العقلية هي من وظائف النفس.

حالة الموتى

لا يمكن للحكمة البشرية اختراق حجب الموت وتخطي بوابات القبر. والعلم يعجز تماماً حينما يتعلق الأمر بتقييم النفس. النفس من وجهة النظر الكتابية شيئية وملموسة. إنها -كما قلنا سابقاً- اندماج بنيتنا الجسدية مع نسمة الحياة المعطاة من الخالق. وبحسب المفهوم الشائع عن النفس، إنها كيان مجرد يتمثَّل في الفكر والمحبة والبغضة والفرحة والحزن والحكمة والأعمال.

غير أنه لا يمكن قياس طبيعتها معملياً. لذلك يتحتم علينا اللجوء إلى الوحي للحصول على إجابة لما يحدث للإنسان عند موته. لم يقم أحد من الموت منذ أزمنة الكتاب المقدس، ولما قام لعازر من الأموات لم يقل شيئاً عن انطلاق نفسه.

بيد أن الكتاب المقدس يخبرنا بوضوح عما يحدث للإنسان حال موته. تتوقف نشاطات النفس عن الوجود. نقرأ: "لأَنَّ الأَحْيَاءَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُمْ سَيَمُوتُونَ، أَمَّا الْمَوْتَى فَلاَ يَعْلَمُونَ شَيْئًا، وَلَيْسَ لَهُمْ أَجْرٌ بَعْدُ لأَنَّ ذِكْرَهُمْ نُسِيَ. وَمَحَبَّتُهُمْ وَبُغْضَتُهُمْ وَحَسَدُهُمْ هَلَكَتْ مُنْذُ زَمَانٍ، وَلاَ نَصِيبَ لَهُمْ بَعْدُ إِلَى الأَبَدِ، فِي كُلِّ مَا عُمِلَ تَحْتَ الشَّمْسِ ... كُلُّ مَا تَجِدُهُ يَدُكَ لِتَفْعَلَهُ فَافْعَلْهُ بِقُوَّتِكَ، لأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ عَمَل وَلاَ اخْتِرَاعٍ وَلاَ مَعْرِفَةٍ وَلاَ حِكْمَةٍ فِي الْهَاوِيَةِ الَّتِي أَنْتَ ذَاهِبٌ إِلَيْهَا" (الجامعة ٩: ٥، ٦، ١٠). فكما يقول النص السابق، لا توجد بعد الموت معرفة بما يجري هنا على الأرض.

حينما أطال الله عمر حزقيا الملك، فرح جداً، لأنه الآن يستطيع أن يستمر في تسبيح الله وحمده. لكنه إذا مات، ما كان ليستطيع أن يسبحه أو يعلن حقه. إذا كانت نفسه تمتلك الخلود وصعدت إلى السماء، لكان استطاع أن يستمر في تسبيح الله وإعلان حقه في الأمجاد السماوية، ولكنه قال هذه الكلمات: "لأَنَّ الْهَاوِيَةَ لاَ تَحْمَدُكَ. الْمَوْتُ لاَ يُسَبِّحُكَ. لاَ يَرْجُو الْهَابِطُونَ إِلَى الْجُبِّ أَمَانَتَكَ. الْحَيُّ الْحَيُّ هُوَ يَحْمَدُكَ كَمَا أَنَا الْيَوْمَ. الأَبُ يُعَرِّفُ الْبَنِينَ حَقَّكَ" (إشعياء ٣٨: ١٨، ١٩).

إن كثرة الأسانيد الكتابية تعلن أنه في الموت تتوقف نشاطات الذهن المتمثلة في الأفكار، ويكون الذهن في حالة مماثلة لحالة الشخص الفاقد وعيه تماماً. فضلاً عن ذلك، في تلك الحالة يكون ذهنه في نفس الوضع الذي كان فيه بعد أن جبل الله الإنسان من تراب الأرض وقبل أن ينفخ نسمة الحياة في تلك البنية التشريحية عديمة الحياة. لم يَصِر الإنسان نفساً حية إلاّ بعد أن نفخ الله نسمة الحياة في تلك الجبلة، فصارت له كل نشاطات النفس. لنتابع القراءة: "لأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْمَوْتِ ذِكْرُكَ. فِي الْهَاوِيَةِ مَنْ يَحْمَدُكَ؟" (مزمور ٦: ٥). وأيضاً: "لَيْسَ الأَمْوَاتُ يُسَبِّحُونَ الله، وَلاَ مَنْ يَنْحَدِرُ إِلَى أَرْضِ السُّكُوتِ" (مزمور ١١٥: ١٧).

إن كثرة الأسانيد الكتابية تعلن أنه في الموت تتوقف نشاطات الذهن، ويستمر الوضع هكذا حتى يقام الفرد في القيامة. لذا فكما أن نسمة الحياة المنفوخة في الجبلة المائتة هي التي أوجدت النفس، هكذا أيضًا تتوقف النفس عن الوجود حينما تعود نسمة الحياة إلى الله.

عن طريق الاعتقاد بخلود النفس يتعلم الناس أن يصلوا إلى العذراء مريم، أم يسوع، مع أنها راقدة في القبر بانتظار القيامة. لذلك فإنه لا تُسمَع أو تُستجاب أي طلبة تُطلب من مريم، لأن الكتاب المقدس يعلن بوضوح أنه لدى موت الإنسان تتوقف أفكاره ولا يعود يمتلك معرفة أو حكمة. في الواقع لا يكون له نصيب بعد في أي شيء يُعمَل تحت الشمس. هذا هو الحق الكتابي، والقول المضاد له الذي يقول: "لَنْ تَمُوتَا!" ليس سوى كذبة من الشيطان الغرض منها دمارنا وثانيا نعلم أن السيد يسوع المسيح (المسيا) هو الشفيع الوحيد لدى الأب. فيعلمنا الكتاب أن داود مات ولم يصعد إلى السموات لاجسده أو روحه: "أيّها الإخوةُ: دَعُوني أقولُ لكُم جَهارًا: ماتَ أبونا داوُدُ ودُفِنَ، وقَبْرُهُ هُنا عِندَنا إلى هذا اليومِ. وكانَ نَبـيّا، فعرَفَ أنّ اللهَ حلَفَ لَه يَمينًا أنّ مِنْ نَسلِهِ يُقيمُ مَنْ يَستوي على عَرشِهِ. ورأى داوُدُ مِنْ قَبلُ قِـيامَةَ المَسيحِ وتَكلّمَ علَيها فقالَ: ما تَركَهُ اللهُ في عالَمِ الأمواتِ، ولا نالَ مِنْ جَسَدِهِ الفَسادُ. فيَسوعُ هذا أقامَهُ اللهُ، ونَحنُ كُلّنا شُهودٌ على ذلِكَ. فلمّا رفَعَهُ اللهُ بِـيَمينِهِ إلى السّماءِ، نالَ مِنَ الآبِ الرّوحَ القُدُسَ الموعودَ بِه فأفاضَهُ علَينا، وهذا ما تُشاهِدونَ وتَسمَعونَ. فداوُدُ ما صَعِدَ إلى السّماءِ، وهوَ نَفسُهُ يقولُ: "قالَ الرّبّ لِرَبّـي:اَجلِسْ عَنْ يَميني " (اعمال ٢: ٢٩، ٣٤)، " كِنّ داوُدَ، بَعدَما عَمِلَ بِمَشيئةِ اللهِ في أيّامِهِ، رقَدَ ودُفِنَ بِجِوارِ آبائِهِ، فرَأَى الفَسادَ." (اعمال ١٣: ٣٦). أما بولس فيعلمنا أنه بعدما يموت سيرقد على رجاء القيامة ولن يذهب للسماء مباشرة بعد موته: "لهذا السبب أحتمل هذه الامور ايضا لكنني لست اخجل لانني عالم بمن امنت وموقن انه قادر ان يحفظ وديعتي إلى ذلك اليوم" (٢ تيموثاوس ١: ١٢)، "فاني انا الان اسكب سكيبا ووقت انحلالي قد حضر. قد جاهدت الجهاد الحسن اكملت السعي حفظت الايمان. واخيرا قد وضع لي اكليل البر الذي يهبه لي في ذلك اليوم السيد الديان العادل وليس لي فقط بل لجميع الذين يحبون ظهوره" (٢ تيموثاوس ٤: ٦-٨).

الله وحده هو الذي له صفة الخلود الطبيعي [أي عدم الموت]، فلا يجب أن يدعي المخلوق الخاطيء أحد صفات الله الخالق: "الذي وحده له عدم الموت ساكنا في نور لا يدنى منه الذي لم يره احد من الناس و لا يقدر أن يراه الذي له الكرامة والقدرة الابدية امين" (١ تيموثاوس ٦: ١٦). ولكن سيحصل الإنسان على الخلود كهبة من الله عند مجيء المسيا الثاني كما يعلمنا بولس الرسول: "هوذا سر اقوله لكم لا نرقد كلنا ولكننا كلنا نتغير. في لحظة في طرفة عين عند البوق الاخير فانه سيبوق فيقام الاموات عديمي فساد ونحن نتغير. لان هذا الفاسد لا بد ان يلبس عدم فساد وهذا المائت يلبس عدم موت. ومتى لبس هذا الفاسد عدم فساد ولبس هذا المائت عدم موت فحينئذ تصير الكلمة المكتوبة أبتلع الموت إلى غلبة" (١ كورنثوس ١٥: ٥١-٥٤)، "الذي سيغير شكل جسد تواضعنا ليكون على صورة جسد مجده بحسب عمل استطاعته أن يخضع لنفسه كل شيء" (فيلبي ٣: ٢١).

اللص المصلوب

نسمع اللاهوتيين يقولون مراراً وتكراراً إن يسوع قال للص على الصليب إنه سيكون معه في الفردوس في ذلك اليوم نفسه. نقرأ: "فَقَالَ لَهُ يسوع الْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: إِنَّكَ الْيَوْمَ تَكُونُ مَعِي فِي الْفِرْدَوْسِ" (لوقا ٢٣: ٤٣). لكن يسوع لم يذهب إلى الفردوس في نفس ذلك اليوم، بل ذهب إلى القبر. وبعد ثلاثة أيام، لما قام وتحدث مع مريم المجدلية، لم يكن قد صعد بعد إلى السماء إلى أبيه. نقرأ: "قَالَ لَهَا يهوشوه:لاَ تَلْمِسِينِي لأَنِّي لَمْ أَصْعَدْ بَعْدُ إِلَى أَبِي" (يوحنا ٢٠: ١٧). كان الآب السماوي في الفردوس، لأن عرشه في الفردوس. فنقرأ: "شَجَرَةِ الْحَيَاةِ الَّتِي فِي وَسَطِ فِرْدَوْسِ الله" (رؤيا ٢: ٧). "وَأَرَانِي نَهْرًا صَافِيًا مِنْ مَاءِ حَيَاةٍ لاَمِعًا كَبَلُّورٍ، خَارِجًا مِنْ عَرْشِ الله وَالْخَرُوفِ. فِي وَسَطِ سُوقِهَا وَعَلَى النَّهْرِ مِنْ هُنَا وَمِنْ هُنَاكَ، شَجَرَةُ حَيَاةٍ تَصْنَعُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ ثَمَرَةً، وَتُعْطِي كُلَّ شَهْرٍ ثَمَرَهَا، وَوَرَقُ الشَّجَرَةِ لِشِفَاءِ الأُمَمِ" (رؤيا ٢٢: ١-٢). يبيِّن النصان بوضوح أن الله الآب كان في الفردوس.

كُتِب العهد الجديد أصلاً باليونانية، ولم يكن ثمة علامات ترقيم أو فصلات في تلك اللغة. ولم تدخل علامات الترقيم على اللغة اليونانية إلاّ في القرن الرابع عشر؛ لذلك يمكن قراءة هذا النص بمعنى أن يسوع قال تلك الكلمات في ذلك اليوم، أو بمعنى أنه سيكون في الفردوس مع اللص في ذلك اليوم. والمعروف أيضاً أن كلمة "إِنَّكَ" غير موجودة في الأصل اليوناني. "الْحَقَّ أَقُولُ لَكَ الْيَوْمَ تَكُونُ مَعِي فِي الْفِرْدَوْسِ" فإذا وضعت الفاصلة بعد كلمة ((الْيَوْمَ)) ينجلي الأمر تماماً.

في جميع نصوص الكتاب المقدس التي لا يكون المعنى فيها واضحاً، يوجد دائماً نصوص أخرى توضح المعنى المراد في ذلك النص، وهذه هي الحال مع هذا النص. "اقوال الله المقدسة ينبغي ان توضحها آيات اخرى، أكثر وضوحا" هذه المقولة هي جزء من أحتجاج الأمراء الذين قاموا به في عام ١٥٢٩م بالمانيا أمام البابوية، والذي بسببه تقدم الأصلاح البروتستانتي بقوة دافعة.

حيث أن الكتاب المقدس يعلّم أن الموتى لا يعلمون شيئاً، وحيث أن يسوع المسيا لم يذهب إلى الفردوس في ذلك اليوم، يتحتم استنتاج أن المسيا لم يخبر اللص أنه سيكون في الفردوس معه في ذلك اليوم، بل أنه قال له في ذلك اليوم [أي يوم الصلب] إنه سيكون معه في الفردوس- أي في وقت لاحق في المستقبل.

كان قادة الكنيسة الذين ترجموا هذه الآية يؤمنون بخلود النفس، فوضعوا الفاصلة على حسب ما يؤمنون قبل كلمة "اليوم"، لكن الفاصلة كان يجب أن تكون بعد كلمة "اليوم" للتعبير عن المعنى الحقيقي للنص. كان يجب أن يُتَرجم هذا النص كالتالي: "فقال له يهوشوه: الحق أقول لك اليوم: إنك تكون معي في الفردوس" (لوقا ٢٣: ٤٣).

لذلك لا يمكننا استعمال هذا النص لإثبات أن النفس خالدة في ذاتها. والشيء الوحيد الذي يثبته هذا النص هو أن قادة الكنيسة الذين ترجموا هذه الآية من الأصل اليوناني آمنوا بنظرية خلود النفس الخاطئة.

الغنى ولعازر

ضرب المسيا في الاصحاح السادس عشر من لوقا مثلين لهما علاقة بالوكالة. وكان المثل الذي ضربه في الجزء الأول من هذا الإصحاح يتعلق بامتلاك النفائس الملموسة، في حين ضرب مثلاً في الجزء الأخير من (لوقا ١٦ والاعداد ١٩-٣١)، يتعلق بامتلاك الكتاب المقدس وخطة الخلاص.

في مثل الغني ولعازر كان الغني يمثل اليهود والفريسيين بصفة خاصة، الذين كانوا يمتلكون معرفة كلمة الله وخطة الخلاص بوفرة، في حين لم يقتنِ الأمم إلا شذرات منها. كان لعازر يمثل الأمم المفتقرين إلى معرفة الكتاب المقدس، الذين كانوا يشتاقون إلى النزر القليل منها- إلى الفتات.

لا يصور هذا المثل بأي حال من الأحوال خبرة شخصين في الحياة الواقعية في الآخرة- مثلما لا يصور مثل الزارع زارعاً حقيقياً خارجاً لبذر الحبوب. من الواضح أنه مَثَل ... قصة تصويرية، حيث أن المكان لا يتسع في حضن إبراهيم لكل الصالحين الذين ماتوا منذ موت هابيل. إضافةً إلى ذلك، لا يجيب هذا النص على السؤال التالي: إلى حضن من ذهب إبراهيم؟

كان المسيا يعلّم بالأمثال عندما لم يكن يريد بعض سامعيه -مثل الفريسيين- أن يفهموا، ثم كان يفسر المثل بعد ذلك على انفراد للتلاميذ. ونظراً لأن هذه القصة لا تتفق مع واقع الحياة، يجب الاستنتاج بأنها مجرد مثل، لأننا نقرأ: "وَبِدُونِ مَثَل لَمْ يَكُنْ يُكَلِّمُهُمْ. وَأَمَّا عَلَى انْفِرَادٍ فَكَانَ يُفَسِّرُ لِتَلاَمِيذِهِ كُلَّ شَيْءٍ" (مرقس ٤: ٣٤).

أولئك الناس الذين يؤمنون بخلود النفس يؤمنون أن النفس العارية من الجسد هي التي ترحل وتذهب إلى السماء أو الجحيم، لكن في هذا المثل كلا الرجلين كان له جسد. كان للغني عينان ولسان، وكان للعازر إصبع. فبدون الجسد كيف يمكن للأعصاب أن تنقل النبضات للدماغ؟ وبالمثل، بدون الجسد كيف يمكن للأفراد أن يكون لهم دماغ لاختبار آلام الجحيم أو أفراح السماء، وما فائدة المجيء الثاني إذا كان كل إنسان ينال جزاءة مباشرة بعد الموت؟

كان معروفاً بين الأمم أن شذرات المعرفة الكتابية الصغيرة وخطة الخلاص -التي كانت الأمم تقدر أن تحصل عليها- هي مجرد كِسَر، لأننا نقرأ: "فَأَجَابَ وَقَالَ: لَيْسَ حَسَنًا أَنْ يُؤْخَذَ خُبْزُ الْبَنِينَ وَيُطْرَحَ لِلْكِلاَب. فَقَالَتْ: نَعَمْ، يَا سَيِّدُ! وَالْكِلاَبُ أَيْضًا تَأْكُلُ مِنَ الْفُتَاتِ الَّذِي يَسْقُطُ مِنْ مَائِدَةِ أسيادها!" (متى ١٥: ٢٦، ٢٧).

في هذا المثل قال أبونا إبراهيم إنهم إن لم يسمعوا من موسى والأنبياء فلن يسمعوا إذا قام واحد من الأموات، ولكن من قبيل السخرية أقام يسوع ميتاً اسمه لعازر من الأموات. مع ذلك لم يتُب الفريسيون الذين صوّرهم هذا المثل في صورة الغني ولم يقبلوا يسوع على أنه المسيا، حتى بعد إقامته لعازر من الموت. وبدلاً من ذلك شرعوا يتشاورون لقتل كلٍ من يسوع ولعازر.

عندما أُقيم لعازر من الموت كان قد مات لمدة أربعة أيام بالفعل، وبعد إقامته لم يكن لديه شيء ليقوله عن حياة نفسه في محضر الله والملائكة القديسين. وإذا كان قد أمضى ذلك الوقت في السماء، فلابد أن ظنه قد خاب لما أعيد إلى هذا العالم المظلم بمشاكله وأحزانه.

أما الرجال الذين انتقلوا إلى السماء من هذا العالم فلم يذهبوا إلى السماء بالروح، بل أيضًا بأجسادهم. عندما انتقل أخنوخ، ذهب إلى السماء بالروح والجسد. ولما اختطف إيليا إلى السماء بمركبة نارية، لم يبقَ وراءه جسد. كل ما بقي وراءه كان رداءه، وهو ما استرده أليشع.

حينما أقام المسيا موسى من الأموات، احتج الشيطان. وهو لم يحتج فقط على نفس موسى، بل على جسده. احتج الشيطان لأن الله نفخ نسمة الحياة في جسد موسى، لأن الشيطان نفسه يعلم أن النفس تنتج من دخول نسمة الحياة في الجسد. ومن هذين العنصرين معاً تخرج النفس إلى حيز الوجود. نقرأ: "وَأَمَّا مِيخَائِيلُ رَئِيسُ الْمَلاَئِكَةِ، فَلَمَّا خَاصَمَ إِبْلِيسَ مُحَاجًّا عَنْ جَسَدِ مُوسَى ..." (يهوذا ٩).
 
Copyright. 2014.